فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما تسبب عن هذا الكشف الانكشاف التام، عبر عنه بقوله: {فبصرك اليوم} أي بعد البعث {حديد} أي في غاية الحدة والنفوذ، فلذا تقر بما كنت تنكر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون ابتداء استدلال بخلق الإنسان، وهذا على قولنا: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} [ق: 15] معناه خلق السموات وثانيهما: أن يكون تتميم بيان خلق الإنسان، وعلى هذا قولنا (الخلق الأول) هو خلق الإنسان أول مرة، ويحتمل أن يقال هو تنبيه على أمر يوجب عودهم عن مقالهم، وبيانه أنه تعالى لما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} كان ذلك إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية ويعلم ذوات صدورهم.
وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد}.
بيان لكمال علمه، والوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه، لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه، وعلم الله تعالى لا يحجب عنه شيء، ويحتمل أن يقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} بتفرد قدرتنا فيه يجري فيه أمرنا كما يجري الدم في عروقه.
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)}.
{إِذْ} ظرف والعامل فيه ما في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] وفيه إشارة إلى أن المكلف غير متروك سدى، وذلك لأن الملك إذا أقام كتابًا على أمر اتكل عليهم، فإن كان له غفلة عنه فيكون في ذلك الوقت يتكل عليهم، وإذا كان عند إقامة الكتاب لا يبعد عن ذلك الأمر ولا يغفل عنه فهو عند عدم ذلك أقرب إليه وأشد إقبالًا عليه، فنقول: الله في وقت أخذ الملكين منه فعله وقوله أقرب إليه من عرقه المخالط له، فعندما يخفى عليهما شيء يكون حفظنا بحاله أكمل وأتم، ويحتمل أن يقال التلقي من الاستقبال يقال فلان يتلقى الركب وعلى هذا الوجه فيكون معناه وقت ما يتلقاه المتلقيان يكون عن يمينه وعن شماله قعيد، فالمتلقيان على هذا الوجه هما الملكان اللذان يأخذان روحه من ملك الموت أحدهما يأخذ أرواح الصالحين وينقلها إلى السرور والحبور إلى يوم النشور والآخر يأخذ أرواح الطالحين وينقلها إلى الويل والثبور إلى يوم الحشر من القبور، فقال تعالى وقت تلقيهما وسؤالهما إنه من أي القبيلين يكون عند الرجل قعيد عن اليمين وقعيد عن الشمال، يعني الملكان ينزلان وعنده ملكان آخران كاتبان لأعماله يسألانهما من أي القيلين كان، فإن كان من الصالحين يأخذ روحه ملك السرور، ويرجع إلى الملك الآخر مسرورًا حيث لم يكن مسرورًا ممن يأخذها هو، وإن كان من الطالحين يأخذها ملك العذاب ويرجع إلى الآخر محزونًا حيث لم يكن ممن يأخذها هو، ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى: {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21] فالشهيد هو القعيد والسائق هو المتلقي يتلقى أخذ روحه من ملك الموت فيسوقه إلى منزله وقت الإعادة.
وهذا أعرف الوجهين وأقربهما إلى الفهم، وقول القائل جلست عن يمين فلان فيه إنباء عن تنح ما عنه احترامًا له واجتنابًا منه، وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] المخالط لأجزائه المداخل في أعضائه والملك متنح عنه فيكون علنًا به أكمل من علم الكاتب لكن من أجلس عنده أحدًا ليكتب أفعاله وأقواله ويكون الكاتب ناهضًا خبيرًا والملك الذي أجلس الرقيب يكون جبارًا عظيمًا فنفسه أقرب إليه من الكاتب بكثير، والقعيد هو الجليس كما أن قعد بمعنى جلس.
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)} أي شدته التي تذهب العقول وتذهل الفطن، وقوله: {بالحق} يحتمل وجوهًا أحدها: أن يكون المراد منه الموت فإنه حق، كأن شدة الموت تحضر الموت والباء حينئذ للتعدية، يقال جاء فلان بكذا أي أحضره، وثانيهما: أن يكون المراد من الحق ما أتى به من الدين لأنه حق وهو يظهر عند شدة الموت وما من أحد إلا وهو في تلك الحالة يظهر الإيمان لكنه لا يقبل إلا ممن سبق منه ذلك وآمن بالغيب، ومعنى المجيء به هو أنه يظهره، كما يقال الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أي أظهره، ولما كانت شدة الموت مظهرة له قيل فيه جاء به، والباء حينئذ يحتمل أن يكون المراد منها ملبسة يقال جئتك بأمل فسيح وقلب خاشع، وقوله: {ذلك} يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت ويحتمل أن يكون إشارة إلى الحق، وحاد عن الطريق أي مال عنه، والخطاب قيل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو منكر، وقيل مع الكافرين وهو أقرب، والأقوى أن يقال هو خطاب عام مع السامع كأنه يقول: {ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أيها السامع.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)}.
عطف على قوله: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} [ق: 19] والمراد منه إما النفخة الأولى فيكون بيانًا لما يكون عند مجيء سكرة الموت أو النفخة الثانية وهو أظهر لأن قوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمَ الوعيد} بالنفخة الثانية أليق ويكون قوله: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} إشارة إلى الإماتة، وقوله: {وَنُفِخَ في الصور} إشارة إلى الإعادة والإحياء، وقوله تعالى: {ذلك} ذكر الزمخشري أنه إشارة إلى المصدر الذي من قوله: {وَنُفِخَ} أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد وهو ضعيف لأن يوم لو كان منصوبًا لكان ما ذكرنا ظاهرًا وأما رفع يوم فيفيد أن ذلك نفس اليوم، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان فالأولى أن يقال ذلك إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله: {وَنُفِخَ} لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه تعالى قال ذلك الزمان يوم الوعيد، والوعيد هو الذي أوعد به من الحشر والإيتاء والمجازاة.
{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)}.
قد بينا من قبل أن السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنه إلى مقعده والشهيد هو الكاتب، والسائق لازم للبر والفاجر أما البر فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار، وقال تعالى: {وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ} [الزمر: 71] {وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ} [الزمر: 73].
وقوله تعالى: {لَّقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مّنْ هذا} إما على تقدير يقال له أو قيل له {لَّقَدْ كُنتَ} كما قال تعالى: {وَقال لَهُمْ خَزَنَتُهَا} [الزمر: 73] وقال تعالى: {قِيلَ ادخلوا أبواب جَهَنَّمَ} [الزمر: 72] والخطاب عام أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم وأما المؤمن فإنه يزداد علمًا ويظهر له ما كان مخفيًا عنه ويرى علمه يقينًا رأى المعتبر يقينًا فيكون بالنسبة إلى تلك الأحوال وشدة الأهوال كالغافل وفيه الوجهان اللذان ذكرناهما في قوله تعالى: {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] والغفلة شيء من الغطاء كاللبس وأكثر منه لأن الشاك يلتبس الأمر عليه والغافل يكون الأمر بالكلية محجوبًا قلبه عنه وهو الغلف.
وقوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} أي أزلنا عنك غفلتك {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} وكان من قبل كليلا، وقرينك حديدًا، وكان في الدنيا خليلًا، وإليه الإشارة بقوله تعالى.
{وَقال قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان} يعني الناس، وقيل آدم.
{وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} أي ما يختلج في سرّه وقلبه وضميره، وفي هذا زجر عن المعاصي التي يستخفى بها.
ومن قال: إن المراد بالإنسان آدم؛ فالذي وسوست به نفسه هو الأكل من الشجرة، ثم هو عام لولده.
والوسوسة حديث النفس بمنزلة الكلام الخفيّ.
قال الأعشى:
تَسْمَعُ لِلْحَلْيِ وَسْوَاسًا إذا انصرفت ** كما استعان بريح عِشْرِقٌ زجِلُ

وقد مضى في (الأعراف).
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} هو حبل العاتق وهو ممتدّ من ناحية حلقه إلى عاتقه، وهما وريدان عن يمين وشمال.
روى معناه عن ابن عباس وغيره وهو المعروف في اللغة.
والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.
وقال الحسن: الوريد الوتين وهو عِرق معلَّق بالقلب.
وهذا تمثيل للقرب؛ أي نحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه، وليس على وجه قرب المسافة.
وقيل أي ونحن أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه.
وقيل: أي ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده الذي هو من نفسه، لأنه عِرق يخالط القلب، فعلم الربِّ أقربُ إليه من علم القلب، روي معناه عن مقاتل قال: الوريد عرق يخالط القلب، وهذا القرب قرب العلم والقدرة، وأبعاض الإنسان يحجب البعضُ البعضَ ولا يحجب علم الله شيء.
قوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} أي نحن أقرب إليه من حبل وريده حين يتلقى المتلقيان، وهما الملكان الموكلان به، أي نحن أعلم بأحواله فلا نحتاج إلى ملَك يخبر، ولكنهما وكِّلا به إلزامًا للحجة، وتوكيدًا للأمر عليه.
وقال الحسن ومجاهد وقتادة: {المتلقيان} ملَكان يتلقيان عملك: أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك.
قال الحسن: حتى إذا متّ طُوِيت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة: {اقرأ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] عَدَلَ والله عليك من جعلك حسيبَ نفسك.
وقال مجاهد: وكَّل الله بالإنسان مع علمه بأحواله مَلَكين بالليل ومَلَكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزامًا للحجة: أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، فذلك قوله تعالى: {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} وقال سفيان: بلغني أن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا أذنب (العبد) قال لا تعجل لعلّه يستغفر الله.
وروي معناه من حديث أبي أمامة؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عَمِلَ حسنة كتبها صاحب اليمين عشرًا وإذا عَمِل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر».
وروي من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مقعدَ مَلكيك على ثَنِيّتك لسانُك قلمهما ورِيقُك مِدَادُهما وأنت تجري فيما لا يعنيك فلا تستحي من الله ولا منهما» وقال الضحاك: مجلسهما تحت الثغر على الحنك.
ورواه عوف عن الحسن قال: وكان الحسن يعجبه أن ينظف عَنْفَقته.
وإنما قال: {قَعِيدٌ} ولم يقل قعيدان وهما اثنان؛ لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه.
قاله سيبويه؛ ومنه قول الشاعر:
نَحْنُ بما عِندنا وأنتَ بما ** عِندَك راضٍ والرّأيُ مخْتَلِفُ

وقال الفرزدق:
إنِّي ضَمِنتُ لمن أَتَانِي ما جَنَى ** وأَبَى فكانَ وكنتُ غيرَ غَدُور

ولم يقل راضيان ولا غدورين.
ومذهب المبرِّد: أن الذي في التلاوة أَوَّلٌ أُخِّرَ اتساعا، وحذف الثاني لدلالة الأوّل عليه.
ومذهب الأخفش والفرّاء: أن الذي في التلاوة يؤدّي عن الاثنين والجمع ولا حذف في الكلام.
و{قَعِيدٌ} بمعنى قاعد كالسميع والعليم والقدير والشهيد.
وقيل: {قَعِيدٌ} بمعنى مقاعد مثل أكيل ونديم بمعنى مؤاكل ومنادم.
وقال الجوهري: فعيل وفعول مما يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع؛ كقوله تعالى: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} [الشعراء: 16] وقوله: {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] وقال الشاعر في الجمع، أنشده الثعلبي:
أَلِكْنِي إِلَيْها وَخَيْرُ الرَّسُو ** لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الخَبَرْ

والمراد بالقعيد هاهنا الملازم الثابت لا ضد القائم.
قوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي ما يتكلم بشيء إلا كتب عليه؛ مأخوذ من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم.
وفي الرقيب ثلاثة أوجه: أحدها أنه المتبع للأمور.
الثاني أنه الحافظ، قاله السدّي.
الثالث أنه الشاهد، قاله الضحاك.
وفي العتيد وجهان: أحدهما أنه الحاضر الذي لا يغيب.
الثاني أنه الحافظ الْمُعَدُّ إما للحفظ وإما للشهادة.
قال الجوهري: العتيد الشيء الحاضر المهيأ؛ وقد عَتَّدَه تعتيدًا وأَعْتَدَه إعتادًا أي أعدّه ليوم، ومنه قوله تعالى: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا} [يوسف: 31] وفرس عَتَدٌ وعَتِدٌ بفتح التاء وكسرها المعَدُّ للجري.
قلت: وكله يرجع إلى معنى الحضور، ومنه قول الشاعر:
لئِن كُنتَ مِنِّي في العِيَان مُغَيَّبًا ** فذكرك عندي في الفؤادِ عَتِيدُ

قال أبو الجوزاء ومجاهد: يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه.
وقال عكرمة: لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه.
وقيل: يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محى عنه ما كان مباحًا، نحو انطلق اقعد كُلْ مما لا يتعلق به أجر ولا وزر، والله أعلم.
وروي عن أبي هريرة وأنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا فيرى الله في أوّل الصحيفة خيرًا وفي آخرها خيرًا إلا قال الله تعالى لملائكته: اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طَرَفي الصحيفة»
وقال علي رضي الله عنه: إن لله ملائكة معهم صحف بيض فأملوا في أوّلها وفي آخرها خيرًا يغفر لكم ما بين ذلك.
وأخرج أبو نعيم الحافظ قال: حدّثنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق ابن خزيمة قال حدّثنا جَدِّي محمد بن إسحق قال حدّثنا محمد بن موسى الحَرَشيّ قال: حدّثنا سهيل ابن عبد الله قال: سمعت الأعمش يحدث عن زيد بن وهب عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحافظين إذا نزلا على العبد أو الأمةَ معهما كتاب مختوم فيكتبان ما يلفظ به العبدُ أو الأمة فإذا أرادا أن ينهضا قال أحدهما للآخر فُكَّ الكتاب المختوم الذي معك فيفكه له فإذا فيه ما كتب سواء فذلك قوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}» غريب من حديث الأعمش عن زيد، لم يروه عنه إلا سهيل.
وروي من حديث أنس أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وكّل بعبده مَلَكين يكتبان عمله فإذا مات قالا ربنا قد مات فلان فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله تعالى إن سمواتي مملوءة من ملائكتي يسبحونني فيقولان ربنا نقيم في الأرض فيقول الله تعالى إن أرضي مملوءة من خلقي يسبحونني فيقولان يا ربّ فأين نكون فيقول الله تعالى كونا على قبر عبدي فكبراني وهللاني وسبحاني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة» قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} أي غمرته وشدّته؛ فالإنسان مادام حيًّا تكتب عليه أقواله وأفعاله ليحاسب عليها، ثم يجيئه الموت وهو ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله تعالى وعده وأوعده.